المشاركات

لا تضيعوا فرصة هندسة الخرطوم

صورة
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي لا تضيعوا فرصة هندسة الخرطوم    أمس قمت بجولة مع عدد من الأصدقاء الذين عادوا مؤخرا من القاهرة، شملت جولتنا الخرطوم وأم درمان وبحري، بدت العاصمة كمن يحاول أن يلتقط أنفاسه بعد مخازي الحرب. أعمدة الكهرباء تنصب من جديد، توصيلات المياه تُجدّد، شوارع تُرصف، ومستشفيات وجامعات تستعيد عملها  بعد أن غابت زمنًا. ورش صغيرة هنا، وفِرَق صيانة هناك، وحركة أشبه بنبض قلب عاد للتو من حافة الموت. هذه هي الخرطوم التي نريدها أن تعود، فالمدينة حين تستعيد عملها، تستعيد الدولة مكانتها، وتستعيد الأسر ثقتها، ويعود الناس إلى أوطانهم من  اللجوء المسغبة . لكن خلف هذا المشهد، تلوح ظلال مقلقة لا ينتبه إليها كثيرون. امتلأت الطرقات بالمتسولين من كل صوب، بعضهم في كامل الصحة والعافية، وآخرون يمارسون أعمالًا هامشية على حساب النظام العام، بدأت الأرصفة تدريجيًا تتحول كما في السابق  إلى فضاءات منفلتة. هذه المشاهد ليست جديدة، إنها ذات العلامات التي سبقت الحرب، يوم كانت الخرطوم تفقد تدريجيًا هيبتها وسيادتها، دون أن يشعر أحد بأن الخطر يتعاظم. سياسيًا ما يعنيه هذا...

أمن المعلومات واستراتيجية إعادة البناء

صورة
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي  أمن المعلومات واستراتيجية إعادة البناء      أمن المعلومات و التحول الرقمي، مدخل لإعادة تأسيس الدولة على أسس أكثر صلابة وتماسكًا. في هذا السياق، يمثل اعتماد مؤتمر الإتحاد الدولي للاتصالات"ITU WTDC 2025"لمشروع القرار الذي تقدم به السودان، انتصارًا دبلوماسيًا يعيد البلاد الي المشهد الدولي، ويفتح نافذة واسعة نحو مستقبل يمكن أن يستعيد فيه السودان دوره الطبيعي بين الأمم. القرار الذي أُجيز بالإجماع تحت عنوان "مساعدة السودان على إعادة بناء البنية التحتية للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات ورأب الفجوة الرقمية" يحمل دلالات سياسية وتنموية. إذ يعبّر عن اعتراف دولي  بالدمار الذي تعرّض له قطاع الاتصالات على يد مليشيا الدعم السريع، ويؤكد استعداد المجتمع الدولي لمساندة السودان في عبور هذه المرحلة من تاريخه الحديث.  من الناحية التنموية يتيح هذا القرار للسودان فرصة نادرة للإستفادة من برامج الإتحاد الدولي وشركائه من الدول الكبرى والشركات العالمية العاملة في مجالات الاتصالات والتحول الرقمي. وتشمل هذه المبادرات التدريب وبناء القدرات، ونقل ا...

البرهان يستخدم تكتيكاً جديداً

صورة
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي  البرهان يستخدم تكتيكاً جديداً    يبدو أن الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش قد اختار، أن ينتقل من موقع الدفاع السياسي إلى منصة المبادرة الاستراتيجية. مقاله في صحيفة وول ستريت جورنال كان بمثابة رسالة مدروسة بعناية، موجّهة إلى الجهة الأكثر تأثيراً في واشنطن: صنّاع القرار، مؤسسات الأمن القومي، والدوائر الاقتصادية التي تقرّر في النهاية أين تُبنى الشراكات ومن تُدعم من الدول. في هذا المقال نحاول قرأة المشهد قراءة هادئة لمضمون المقال بما يكشف عن تكتيك سياسي جديد يوظّف لغة المصالح ويبتعد عن الخطاب التقليدي. فالبرهان بدأ وكأنه يطرح – بصورة غير مباشرة – صفقة إستراتيجية للولايات المتحدة مقدما نفسه لمرحلة جديدة تتجاوز الأطر التقليدية مشيرًا إلى أنه يريد  للسودان أن يستعيد دوره كقوةٍ إقليميةٍ إيجابية. و مذكرا "أن السودان تحت قيادته ، اتخذ  خطوة تاريخية في عام 2021 بانضمامه إلى اتفاقيات أبراهام" .  بما يفهم أنه لا يمانع التطبيع مقابل حفظ الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني وفقا لرؤية حل الدولتين ، هذا الاتجا...

أحمد رجب وصناعة الوعي

صورة
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي أحمد رجب وصناعة الوعي    في قلب الحرب التي تعصف بالسودان، يتجلّى الدور الصاعد للشباب في الإعلام الرقمي كواحد من أهم التحولات الاجتماعية والسياسية في البلاد. فهذه الظاهرة ، امتداد طبيعي لأنماط شهدتها دول خرجت من صراعات قاسية وتمكّنت عبر أدوات الإعلام الجديد من إعادة تعريف ذواتها واستعادة قوتها الخشنة والناعمة رغم الانهيار المجتمعي و الخزلان السياسي. إن صعود أسماء شبابية مثل أحمد صبري رجب يعكس نقلة نوعية في دور الإعلام "المواطن الصحفي" ، حيث لم يعد صانع المحتوى مجرد فاعل ثقافي، بل أصبح جزءًا من معادلة القوة داخل بيئة الصراع. فالحرب في السودان لم تعد حربًا بالسلاح وحده، بل حرب أفكار وشرعية، تستهدف تشكيل الوعي العام كما أكد المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك حين وصفها بأنها "حرب تُدار بالوكالة وتستهدف بنية الدولة ومواردها". إن آلاف الشباب الذين لبّوا نداء "حرب الكرامة" لم يحملوا السلاح فقط، بل حملوا الكاميرا والقلم والمنصات التفاعلية، وصنعوا رواية مضادة لماكينات التضليل، وأسهموا في إعادة الثقة للسودانيين، بإمكانية ع...

الكهرباء وفرص العودة إلى الخرطوم

صورة
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي الكهرباء وفرص العودة إلى الخرطوم    نعود الي ملف الكهرباء، باعتباره أحد مظاهر التعافي الوطني في مرحلة ما بعد الحرب، إذ تمضي الجهود الحكومية بخطى متسارعة لإعادة بناء البنية التحتية التي تعرضت لدمار غير مسبوق خلال الفترة الماضية. بالأمس أعلنت ولاية الخرطوم عن وصول 160 محولًا كهربائيًا ودخولها الخدمة، على أن تتسلم خلال ديسمبر 600 محول إضافي، ضمن خطة متكاملة لتحقيق اكتفاء الولاية من المحولات خلال ثلاثة أشهر بنسبة تتجاوز 90%، وهو تحول لافت بالنظر إلى عمق الدمار الذي أصاب القطاع وضعف الإيرادات والتكلفة العالية التي تتحملها الحكومة. وتأتي هذه الخطوات ضمن رؤية أشمل تقودها وزارة الطاقة منذ تولي الوزير المعتصم إبراهيم مهامه في أغسطس 2025، حيث سعى إلى إعادة بناء قطاع الطاقة في خارطة التعاون الدولي. ففي حديثه خلال "أسبوع الطاقة الروسي" بموسكو، أكد أن السودان رغم آثار الحرب ما يزال قادرًا على إنتاج النفط ويعمل على زيادته عبر شراكات جديدة، خصوصًا مع روسيا التي يأمل في الحصول منها على دعم تقني لتطوير الطاقة الكهرومائية. وقد بدأ موقفه واضحًا بشأن العق...

من منصة الجيش إلى طاولة التفاوض

صورة
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي  من منصة الجيش إلى طاولة التفاوض     تبدو ردود الأفعال على خطاب الرئيس البرهان أمام قادة الجيش، وعلي المبادرة السعودية - الأمريكية، أقرب إلى لوحة سريالية متعددة التكوين، تتفاعل فيها الحسابات السياسية مع التوازنات الإقليمية والدولية مع  نبض الشارع السوداني الذي أصبح لا يحتمل مجرد الحديث عن عودة المليشيا.  منصة الجيش التي اختارها البرهان بذكاء شهدت ، حضور  جميع القادة العسكريين، كبار الضباط، وقادة الوحدات ، و مساعدو القائد العام، وهيئة الأركان، وقادة المخابرات والشرطة ولم يغيب عنها إلا الفريق الكباشي الذي يتعافى بالقاهرة ،هذا الجمع المتكامل أرسل رسالة مزدوجة: أولًا للداخل، بأن الجيش وكافة القوات موحدة ومستعدة لمواجهة التمرد ، وثانيًا للخارج، بأن فرض أي حل دون مراعاة سيادة الدولة سيكون مرفوضًا. فمن جانب المؤسسة العسكرية، من المتوقع أن يظهر تماسك أكبر حول خطاب البرهان، لأن الخطاب أعاد تثبيت سردية الحرب بوصفها معركة دفاع عن الدولة لا عن السلطة. هذا النوع من الخطابات يُنتج عادةً ارتفاعًا في ثقة القادة الميدانيين، ويزيد من ...

المعادلة الذهبية للتفاوض والسلام

صورة
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي  المعادلة الذهبية للتفاوض والسلام        تخوض بلادنا معركة وجودية لاستعادة وحدتها، وقد جاءت المبادرة السعودية - الأمريكية عقب تصريحات مفوض حقوق الإنسان فولكر تورك التي أكدت أن الحرب تُدار بالوكالة بدافع الأطماع في الموارد. هذا التصريح أعاد ترتيب قواعد اللعبة، وشرعن سرديات ظلت الخرطوم ترددها طويلاً دون أن تجد صدى في الخطاب الإقليمي والدولي. في هذا المقال نناقش كل هذه الأفكار، بجانب الفرصة الذهبية للتفاوض والسلام.  لقد انتقل النقاش من “كيفية إنهاء حرب داخلية” إلى “كيفية وقف تدخلات خارجية توظّف الحرب لتحقيق أطماع ومكاسب اقتصادية”، وهو تحول جوهري يجعل أي حديث عن تسوية سياسية غير ممكن ما لم تُعالج مستويات الصراع الثلاثة معًا: مستوى داخلي بين الدولة ومليشيا مسنودة من الخارج، ومستوى إقليمي تتنازع فيه المحاور على موطئ قدم في بلد بالغ الثراء، ومستوى دولي يتعامل مع الأزمة وفق منطق إدارة المخاطر المهددة لأمن المنطقة لا وفق منطق دعم استعادة السيادة السودانية وحفظ مؤسسات الدولة من الانهيار.  وتأتي أهمية التصريح الأممي أ...

الهلال الأحمر و استنهاض الشراكات الدولية.

صورة
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي  الهلال الأحمر و استنهاض الشراكات الدولية.       الهلال الاحمر السوداني واستنهاض الشراكات الإقليمية والدولية ضرورة استراتيجية . تصريحات الأمين العام د. عايدة السيد عبد الله حول الخسائر في الأرواح والأصول وخصوصاً تأثير الحرب على قسم الإمداد، تكشف عمق الضرر  الذي أحدثته الحرب، والحاجة الملحة لإعادة تأهيل منظومات الإمداد لتفادي انهيار الاستجابة الإنسانية الوطنية في البلاد.   هذه الحقيقة تأخذ بعدًا عمليًا حين نربطها بالمجهودات المبذولة في جانب التدريب بمقر الأمانة العامة والفروع في بورتسودان، الذي يمثل محاولة لإصلاح السلاسل اللوجستية وتقوية القدرات الفنية وسط محدودية الموارد.   آلاف النازحين الذين يقطعون مئات الكيلومترات هربًا من أماكن الصراع يصلون إلى مخيمات مثل الدبة والعفاض بالولاية الشمالية "مناطق آمنة " حاملين جراحًا جسدية ونفسية جراء انتهاكات مليشيا الدعم السريع، وفي كثير من الحالات يواجهون فراغًا في التنسيق الدولي أو غيابا لافتا لوكالات متخصصة كانت متوقعةً لتقديم المساعدة الإنسانية للمدنيين....

هندسة السلام في السودان و مفاجأة الإسلاميين

صورة
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي   هندسة السلام في السودان و مفاجأة الإسلاميين     بدأ واضحًا أن الحرب في السودان تدخل طورًا جديدًا  لصياغة مسار جديد للسلام. فقد استطاعت المملكة العربية السعودية بثقلها و موقعها  وتوازن علاقاتها، أن تستعيد دورها الذي  بدأته في مايو 2023 وتقدم صيغة أكثر واقعية لإنهاء الحرب التي  أنهكت الدولة والمجتمع والمنطقة.  العودة الأمريكية التي اعلنها  الرئيس ترامب جاءت بعد ان أدركت إدارته بأن ترك الساحة لقوى إقليمية مختلفة لن يفضي إلى استقرار، وبأن منصة جدة ، تظل الإطار الأكثر قبولًا وحيادًا. وهكذا بدأ أن الرياض وواشنطن تتحركان اليوم بشراكة قائمة على “استعادة التوازن”، وتقديم الحلول. غير أن نجاح هذا التحرك  مشروط بأربعة مرتكزات رئيسية:  أولًا: العودة الصريحة إلى مسار جدة 2023 بوصفه المرجعية التفاوضية الوحيدة التي حازت اعترافًا دولياً وإقليميًا.  ثانيًا: إصلاح مؤسسة الوساطة الأمريكية بإسناد الملف للخارجية الامريكية لما لها من تجارب سابقة في الملف السوداني، فالمشكلة لم تكن في غياب الحضور الأمريكي...

السعودية و إحلال السلام في السودان

صورة
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي   السعودية و إحلال السلام في السودان     تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس، عقب زيارة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن، والتي نقلتها وكالة رويترز: "تسوية النزاع في السودان لم تكن ضمن مخططاتي، لكن الأمير محمد بن سلمان جعلني أهتم بذلك"، و"الأمير محمد بن سلمان سيكون له دور قوي في حل الأزمة في السودان". تكشف هذه التصريحات عن تحول في اهتمامات واشنطن تجاه السودان، ودعمًا للرياض في جهود إحلال السلام. في هذا المقال نحاول قراءة أبعاد هذه التصريحات وتحليل تداعياتها على المشهد السياسي السوداني والإقليمي.  فإن تدخل الرياض بقيادة ولي العهد  جعل الملف حاضرًا بقوة على طاولة صنع القرار الأمريكي، ويؤكد أن الدبلوماسية السعودية قادرة على فرض حضور استراتيجي فعال، يحظى بثقة واشنطن والخرطوم على حد سواء. هذا التحوّل لا يمكن عزله عن سلسلة من التطورات الإقليمية والدولية التي سبقت الزيارة، وفي مقدمتها التصريحات المهمة لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو على هامش اجتماعات مجموعة السبع، والتي حملت لأول مرة لهجة أكثر صراحة تجاه ...